بكا

المعنى: 

البُكاء يقصر ويمد؛ قاله الفراء وغيره، إذا مَدَدْتَ أَردتَ الصوتَ الذي يكون مع البكاء، وإذا قَصرت أَردتَ الدموع وخروجها؛ قال حسان بن ثابت، وزعم ابن إسحق أَنه لعبد الله بن رواحة وأَنشده أَبو زيد لكعب بن مالك في أَبيات:
بَكَـتْ عينيـ، وحـقَّ لهـا بُكاهـا،
ومـا يُغْنـي البُكـاءُ ولا العَويـلُ

علـى أَسـَد الإلـهِ غَـداةَ قـالوا:
أَحَمْــزَةُ ذاكـم الرجـلُ القـتيلُ؟

أُصــِيبَ المســلمون بــه جميعـاً
هنـاك، وقـد أُصـيب بـه الرسـولُ

أَبــا يَعْلـى لـك الأَركـانُ هُـدَّتْ،
وأَنــتَ الماجــدُ البَـرُّ الوصـولُ

عليــك ســلامُ ربــك فـي جِنـانٍ،
مُخالطُهــــا نَعيـــمٌ لا يـــزولُ
قال ابن بري: وهذه من قصيدة ذكرها النحاس في طبقات الشعراء، قال:والصحيح أَنها لكعب بن مالك؛ وقالت الخنساء في البكاء الممدود ترثي أَخاها:
دَفَعْــتُ بـك الخُطـوبَ وأَنـت حيٌّـ،
فمــن ذا يَـدْفَعُ الخَطْـبَ الجَليلا؟

إذا قَبُــحَ البُكـاء علـى قَـتيل،
رأَيــتُ بكــاءَك الحَسـَنَ الجميلا
وفي الحديث: فإن لم تجدوا بُكاءً فَتَبَاكَوْا أَي تَكَلَّفُوا البُكاء، وقد بَكَى يَبْكِي بُكاءً وبُكىً؛ قال الخليل: من قصره ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّة ذهب به إلى معنى الصوت، فلم يبالِ الخليلُ اختلافَ الحركة التي بين باء البكا وبين حاء الحزن، لأَن ذلك الخَطَر يسير. قال ابن سيده:،هذا هو الذي جَرَّأَ سيبويه على أَن قال وقالوا النَّضْرُ، كما قالوا الحَسَنُ، غير أَن هذا مسكَّن الأَوسط، إلا أَن سيبويه زاد على الخليل لأَن الخليل مَثَّلَ حركة بحركة وإن اختلفتا، وسيبويه مَثَّلَ ساكن الأَوسط بمتحرك الأَوسط، ولا محالة أَن الحركة أَشبه بالحركة وإن اختلفتا من الساكن بالمتحرك، فَقَصَّرَ سيبويه عن الخليل، وحُقَّ له ذلك، إذا الخليل فاقد النظير وعادم المثيل؛ وقول طرفة:
ومـا زال عنـي ما كَنَنْتُ يَشُوقُني،
وما قُلْتُ حتى ارْفَضَّتِ العينُ باكيا
فإنه ذكَّر باكياً وهي خبر عن العين، والعين أُنثى، لأَنه أَراد حتى ارفضت العين ذات بكاء، وإن كان أَكثر ذلك إنما هو فيما كان معنى فاعل لا معنى مفعول، فافهم، وقد يجوز أَن يذكر على إرادة العضو، ومثل هذا يتسع فيه القول؛ ومثله قول الأَعشى:
أَرَى رَجُلاً منهــم أَسـِيفاً، كأَنمـا
يَضــُمُّ إلـى كَشـْحَيْهِ كَفّـاً مُخَضـَّبا
أَي ذاتَ خضاب، أَو على إرادة العضو كما تقدم؛ قال: وقد يجوز أَن يكون مخضباً حالاً من الضمير الذي في يضم. وبَكَيْتُه وبَكَيْتُ عليه بمعنى.قال الأَصمعي: بَكَيْت الرجلَ وبَكَّيْته، بالتشديد، كلاهما إذا بَكَيْتَ عليه، وأَبْكَيته إذا صنعت به ما يُبْكِيه، قال الشاعر:
الشـمسُ طالعـة، ليسـتْ بكاسـفةٍ،
تُبْكـي عليكَ نُجومَ الليل والقَمرا
واسْتَبْكَيْتُه وأَبْكَيْتُه بمعنى. والتِّبْكاء: البُكاء؛ عن اللحياني. وقال اللحياني: قال بعض نساء الأَعراب في تأْخيذ الرجال أَخَّذتُه في دُبَّاء مُمَلأٍ من الماء مُعَلَّقٍ بتِرْشاء فلا يَزَلْ في تِمْشاء وعينُه في تِبْكاء، ثم فسره فقال: التِّرشاءُ الحَبْلُ، والتِّمْشاء المَشيُ، والتِّبْكاءُ البُكاء، وكان حكم هذا أَن يقول تَمْشاء وتَبْكاء لأَنهما من المصادر المبنية للتكثير كالتَّهْذار في الهَذْر والتَّلْعاب في اللَّعب، وغير ذلك من المصادر التي حكاها سيبويه، وهذه الأُخْذَة قد يجوز أَن تكون كلها شعراً، فإذا كان كذلك فهو من مَنْهوك المنسرح؛ وبيته:
صـــَبْراً بنـــي عَبْـــد الــدارْ

وقال ابن الأَعرابي: التَّبكاء، بالفتح، كثرة البُكاء؛ وأَنشد:
وأقْــــرَحَ عَيْنَــــيَّ تَبْكـــاؤُه،
وأَحــدَثَ فــي السـَّمْعِ مِنِّـي صـَمَمْ
وباكَيْتُ فلاناً فَبَكَيْتُه إذا كنتَ أَكثرَ بُكاءً منه. وتَباكى:تَكَلَّف البُكاءَ. والبَكِيُّ: الكثير البُكاء، على فعيل. ورجل باك، والجمع بُكاة وبُكِيٌّ، على فُعُول مثل جالس وجُلُوس، إلاّ أَنهم قلبوا الواو ياء. وأَبْكَى الرجلَ: صَنَع به ما يُبْكيه. وبَكَّاه على الفَقيدِ:هَيَّجه للبكاء عليه ودعاه إليه؛ قال الشاعر:
صــــَفيَّةُ قُـــومي ولا تَقْعُـــدِي،
وبَكِّـــي النســاءَ علــى حَمْــزه
ويروى: ولا تَعْجزي، هكذا روي بالإسكان، فالزاي على هذا هو الرويّ لا الهاء لأَنها هاء تأنيث، وهاء التأْنيث لا تكون رويّاً، ومن رواه مطلقاً قال: على حمزة، جعل التاء هي الرويّ واعتقدها تاء لا هاء لأَن التاء تكون رويّاً، والهاء لا تكون البتة رويّاً. وبَكَاه بُكاءً وبَكَّاه، كلاهما:بَكَى عليه ورثاه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
وكنــتُ مَتَــى أَرى زِقّـاً صـَريعاً،
يُنــاحُ علــى جَنــازَتِه، بَكَيْــتُ
فسره فقال: أَراد غَنَّيْتُ، فجعل البكاء بمنزلة الغِناء، واستجاز ذلك لأَن البُكاء كثيراً ما يَصْحَبه الصوت كما يصحب الصوت الغناء.والبَكَى، مقصور: نبت أَو شجر، واحدته بَكاة. قال أَبو حنيفة: البَكاة مثلُ البَشامة لا فرق بينهما إلا عند العالم بهما، وهما كثيراً ما تنبتان معاً، وإذا قطعت البَكاة هُريقت لبناً أَبيض؛ قال ابن سيده: وقضينا على أَلف البُكَى بالياء لأَنها لام لوجود ب ك ي وعدم ب ك و، والله أَعلم.

المعجم: 

لسان العرب