المعنى:
قال أَبو العباس أَحمد بن يحيى ومحمد بن زيد: ذا يكون بمعنى هذا، وم نه قول الله عز وجل: مَنْ ذا الذي يَشْفَع عِنده إلا بإذنه؛ أَي مَنْ هذا الذي يَشْفَع عِنده؛ قالا: ويكون ذا بمعنى الذي، قالا: ويقال هذا ذو صَلاحٍ ورأَيتُ هذا ذا صَلاحٍ ومررت بهذا ذي صَلاحٍ، ومعناه كله صاحِب صَلاح. وقال أَبو الهيثم: ذا اسمُ كلِّ مُشارٍ إليه مُعايَنٍ يراه المتكلم والمخاطب، قال: والاسم فيها الذال وحدها مفتوحة، وقالوا الذال وحدها هي الاسم المشار إليه، وهو اسم مبهم لا يُعرَف ما هو حتى يُفَسِّر ما بعده كقولك ذا الرَّجلُ، ذا الفرَسُ، فهذا تفسير ذا ونَصْبُه ورفعه وخفصه سواء، قال: وجعلوا فتحة الذال فرقاً بين التذكير والتأْنيث كما قالوا ذا أَخوك، وقالوا ذي أُخْتُك فكسروا الذال في الأُنثى وزادوا مع فتحة الذال في المذكر أَلفاً ومع كسرتها للأُنثى ياء كما قالوا أَنْتَ وأَنْتِ. قال الأَصمعي: والعرب تقول لا أُكَلِّمُك في ذي السنة وفي هَذِي السنة، ولا يقال في ذا السَّنةِ، وهو خطأٌ، إِنما يقال في هذه السَّنةِ؛ وفي هذي السنة وفي ذي السَّنَة، وكذلك لا يقال ادْخُلْ ذا الدارَ ولا الْبَسْ ذا الجُبَّة، وإنما الصواب ادْخُل ذي الدارَ والْبَس ذي الجُبَّةَ، ولا يكون ذا إلا للمذكر. يقال: هذه الدارُ وذي المرأَةُ. ويقال: دَخلت تِلْكَ الدَّار وتِيكَ الدَّار، ولا يقال ذِيك الدَّارَ، وليس في كلام العرب ذِيك البَتَّةَ، والعامَّة تُخْطِئ فيه فتقول كيف ذِيك المرأَةُ؟ والصواب كيف تِيكَ المرأَةُ؟ قال الجوهري: ذا اسم يشار به إِلى المذكر، وذي بكسر الذال للمؤنث، تقول: ذي أَمَةُ اللهِ، فإِن وقفت عليه قلت ذِهْ، بهاء موقوفة، وهي بدل من الياء، وليست للتأْنيث، وإنما هي صِلةٌ كما أَبدلوا في هُنَيَّةٍ فقالوا هُنَيْهة؛ قال ابن بري: صوابه وليست للتأْنيث وإنما هي بدل من الياء، قال: فإِن أَدخلت عليها الهاء للتنبيه قلت هذا زيدٌ وهذي أَمَةٌ اللهِ وهذه أَيضاً، بتحريك الهاء، وقد اكتفوا به عنه، فإِن صَغَّرْت ذا قلت دَيّاً، بالفتح والتشديد، لأَنك تَقْلِب أَلف ذا ياء لمكان الياء قبلها فتُدْغِمها في الثانية وتزيد في آخره أَلفاً لتَفْرُقَ بين المُبْهَم والمعرب، وذَيّانِ في التثنية، وتصغير هذا هَذَيّاً، ولا تُصَغَّر ذي للمؤنث وإنما تصَغَّر تا، وقد اكتفوا به عنه، وإن ثَنَّيْتَ ذا قلت ذانِ لأَنه لا يصح اجتماعهما لسكونهما فتَسْقُط إحدى الأَلفين، فمن أَسقط أَلف ذا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ فأَعْرَبَ، ومن أَسقط أَلف التثنية قرأَ إَنَّ هذانِ لساحِرانِ لأَن أَلف ذا لا يقع فيها إعراب، وقد قيل: إنها على لغة بَلْحَرِثِ ابن كعب، قال ابن بري عند قول الجوهري: من أَسقط أَلف التثنية قرأَ إنَّ هذان لساحران، قال: هذا وهم من الجوهري لأَن أَلف التثنية حرف زيد لمعنى، فلا يسقط وتبقى الأَلف الأَصلية كما لم يَسقُط التنوين في هذا قاضٍ وتبقى الياء الأَصلية، لأَن التنوين زيدَ لمعنى فلا يصح حذفه، قال: والجمع أُولاء من غير لفظه، فإن خاطبْتَ جئْتَ بالكاف فقلت ذاكَ وذلك، فاللام زائدة والكاف للخطاب، وفيها دليل على أَنَّ ما يُومأُ إِليه بعيد ولا مَوْضِعَ لها من الإِعراب، وتُدْخِلُ الهاء على ذاك فتقول هذاك زَيدٌ، ولا تُدْخِلُها على ذلك ولا على أُولئك كما لم تَدْخُل على تلْكَ، ولا تَدْخُل الكافُ على ذي للمؤنث، وإنما تَدْخُلُ على تا، تقول تِيكَ وتِلْك، ولا تَقُلْ ذِيك فأِنه خطأٌ، وتقول في التثنية: رأَيت ذَيْنِكَ الرِّجُلين، وجاءني ذانِكَ الرَّجُلانِ، قال: وربما قالوا ذانِّك، بالتشديد. قال ابن بري: من النحويين من يقول ذانِّك، بتشديد النون، تَثْنِيةَ ذلك قُلِبَتِ اللام نوناً وأُدْغِمَت النون في النون، ومنهم من يقول تشديدُ النون عِوضٌ من الأَلف المحذوفة من ذا، وكذلك يقول في اللذانِّ إِنَّ تشديد النون عوض من الياء المحذوفة من الذي، قال الجوهري: وإنما شددوا النون في ذلك تأْكيداً وتكثيراً للاسم لأَنه بقي على حرف واحد كما أَدخلوا اللام على ذلك، وإنما يفعلون مثل هذا في الأَسماء المُبْهَمة لنقصانها، وتقول للمؤنث تانِكَ وتانِّك أَيضاً، بالتشديد، والجمع أُولئك، وقد تقدم ذكر حكم الكاف في تا، وتصغير ذاك ذَيّاك وتصغير ذلك ذَيّالِك؛ وقال بعض العرب وقَدِمَ من سَفَره فوجد امرأَته قد ولدت غلاماً فأَنكره فقال لها:
لَتَقْعُـــــدِنَّ مَقْعَــــدَ القَصــــِيِّ
مِنِّـــي ذي القـــاذُورةِ المَقْلِــيِّ
أَو تَحْلِفِــــي برَبِّــــكِ العَلِـــيِّ
أَنِّـــي أَبـــو ذَيّالِـــكِ الصــَّبيِّ
قــد رابَنــي بــالنَّظَر التُّرْكِــيِّ
ومُقْلــــةٍ كمُقْلَــــةِ الكُرْكِــــيِّ
فقالت:
لا والــــذي رَدَّكَ يــــا صـــَفِيِّي
مــا مَســَّني بَعْــدَك مِــن إنْســِيِّ
غيـــــرِغُلامٍ واحـــــدٍ قَيْســــِيِّ
بَعْــدَ امرأَيْــنِ مِــنْ بَنــي عَـدِيِّ
وآخَرَيْــــنِ مِـــنْ بَنـــي بَلِـــيِّ
وخمســـة كــانوا علــى الطَّــوِيِّ
وســـِتَّةٍ جـــاؤوا مـــع العَشــِيِّ
وغيـــــرِ تُرْكِـــــيٍّ وبَصــــْرَوِيِّ
وتصغير تِلْك تَيَّاكَ؛ قال ابن بري: صوابه تَيّالِكَ، فأَما تَيّاك فتصغير تِيك. وقال ابن سيده في موضع آخر: ذا إِشارة إِلى المذكر، يقال ذا وذاك، وقد تزاد اللام فيقال ذَلِكَ. وقوله تعالى: ذَلِكَ الكِتابُ؛ قال الزجاج: معناه هَذا الكتابُ، وقد تدخل على ذا ها التي للتَّنْبِيه فيقال هَذا، قال أَبو علي: وأَصله ذَيْ فأَبدلوا ياءه أَلفاً، وإن كانت ساكنة، ولم يقولوا ذَيْ لئلا يشبه كَيْ وأَيْ، فأَبدلوا ياءه أَلفاً لِيلْحَقَ بباب متى وإذ أَو يخرج من شَبَه الحَرْفِ بعضَ الخُروج. وقوله تعالى: إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ؛ قال الفراء: أَراد ياء النصب ثم حذفها لسكونها وسكون الأَلف قَبْلَها، وليس ذلك بالقوي، وذلِك أَن الياء هي الطارئة على الأَلف فيجب أَن تحذف الأَلف لمكانها، فأَما ما أَنشده اللحياني عن الكسائي لجميل من قوله:
وأَتَـى صـَواحِبُها فَقُلْنَ: هَـذَا الَّذي
مَنَــحَ المَــوَدَّةَ غَيْرَنــا وجَفانـا
فإِنه أَراد إذا الَّذِي، فأَبدل الهاء من الهمزة. وقد استُعْمِلت ذا مكان الذي كقوله تعالى: ويَسْأَلُونك ماذا يُنْفِقُون قل العَفْوُ؛ أَي ما الذي ينفقون فيمن رفع الجواب فَرَفْعُ العَفْوِ يدلّ على أَن ما مرفوعة بالابتداء وذا خبرها ويُنْفِقُون صِلةُ ذا، وأَنه ليس ما وذا جميعاً كالشيء الواحد، هذا هو الوجه عند سيبويه، وإِن كان قد أَجاز الوجهَ الآخر مع الرفع. وذي، بكسر الذال، للمؤنث وفيه لُغاتٌ: ذِي وذِهْ، الهاء بدل من الياء، الدليل على ذلك قولهم في تحقير ذَا ذَيّاً، وذِي إنما هي تأْنيث ذا ومن لفظه، فكما لا تَجِب الهاء في المذكر أَصلاً فكذلك هي أَيضاً في المؤنث بَدَلٌ غيرُ أَصْلٍ، وليست الهاء في هَذِه وإن استفيد منها التأْنيث بمنزلة هاء طَلْحَة وحَمْزَة لأَن الهاء في طلحة وحمزة زائدة، والهاء في هَذا ليست بزائدة إِنما هي بدل من الياء التي هي عين الفعل في هَذِي، وأَيضاً فإِنَّ الهاء في حمزة نجدها في الوصل تاء والهاء في هذه ثابِتةٌ في الوصل ثَباتَها في الوقف. ويقال: ذِهِي، الياء لبيان الهاء شبهها بهاء الإِضمار في بِهِي وهَذِي وهَذِهِي وهَذِهْ، الهاء في الوصل والوقف ساكنةٌ إذا لم يلقها ساكن، وهذه كلها في معنى ذِي؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
قُلْـتُ لَهـا: يـا هَـذِهي هـذا إِثِـمْ
هَـلْ لَـكِ فـي قـاضٍ إِلَيْـهِ نَحْتَكِمْـ؟
ويوصل ذلك كله بكاف المخاطبة. قال ابن جني: أَسماء الإِشارة هَذا وهذِه لا يصح تثنية شيء منها من قِبَلِ أَنَّ التثنية لا تلحق إِلا النكرة، فما لا يجوز تنكيره فهو بأَن لا تصح تثنيته أَجْدَرُ، فأَسْماء الإِشارة لا يجوز أَن تُنَكَّر فلا يجوز أَن يُثَنَّى شيء منها، أَلا تراها بعد التثنية على حدّ ما كانت عليه قبل التثنية، وذلك نحو قولك هَذانِ الزَّيْدانِ قائِمَيْن، فَنَصْبُ قائِمَيْن بمعنى الفعل الذي دلت عليه الإِشارةُ والتنبيهُ، كما كنت تقول في الواحد هذا زَيْدٌ قائماً، فَتَجِدُ الحال واحدةً قبل التثنيةِ وبعدها، وكذلك قولك ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قاما، تَعرَّفا بالصلة كما يَتَعَرَّفُ بها الواحد كقولك ضربت الذي قامَ، والأَمر في هذه الأَشياء بعد التثنية هو الأَمر فيها قبل التثنية، وليس كذلك سائرُ الأَسماء المثناة نحو زيد وعمرو، أَلا ترى أَن تعريف زيد وعمرو إِنما هو بالوضع والعلمية؟ فإِذا ثنيتهما تنكرا فقلت عندي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثرت التعريف بالإِضافة أَو باللام فقلت الزَّيْدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ، فقد تَعَرَّفا بَعْدَ التثنية من غير وجه تَعَرُّفِهما قبلها ولَحِقا بالأَجْناسِ وفارَقا ما كانا عليه من تعريف العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ، فإِذا صح ذلك فينبغي أَن تعلمَ أَنَّ هذانِ وهاتانِ إِنما هي أَسماء موضوعة للتثنية مُخْتَرعة لها، وليست تثنية للواحد على حد زيد وزَيْدانِ، إِلا أَنها صِيغت على صورة ما هو مُثَنّىً على الحقيقة فقيل هذانِ وهاتانِ لئلا تختلف التثنية، وذلك أَنهم يُحافِظون عليها ما لا يُحافِظون على الجمع، أَلا ترى أَنك تجد في الأَسماء المتمكنة أَلفاظَ الجُموع من غير أَلفاظِ الآحاد، وذلك نحو رجل ونَفَرٍ وامرأَةٍ ونِسْوة وبَعير وإِبلٍ وواحد وجماعةٍ، ولا تجد في التثنية شيئاً من هذا، إنما هي من لفظ الواحد نحو زيد وزيدين ورجل ورجلين لا يختلف ذلك، وكذلك أَيضاً كثير من المبنيات على أَنها أَحق بذلك من المتمكنة، وذلك نحو ذا وأُولَى وأُلات وذُو وأُلُو، ولا تجد ذلك في تثنيتها نحو ذا وذانِ وذُو وذَوانِ، فهذا يدلك على محافظتهم على التثنية وعنايتهم بها، أَعني أَن تخرج على صورة واحدة لئلا تختلف، وأَنهم بها أَشدُّ عِناية منهم بالجمع، وذلك لَمَّا صيغت للتثنية أَسْماء مُخْتَرَعة غير مُثناة على الحقيقة كانت على أَلفاظ المُثناة تَثْنِيةً حقيقةً، وذلك ذانِ وتانِ، والقول في اللَّذانِ واللَّتانِ كالقول في ذانِ وتانِ. قال ابن جني: فأَما قولهم هذانِ وهاتانِ وفذانك فإِنما تقلب في هذه المواضع لأَنهم عَوَّضوا من حرف محذوف، وأَما في هذانِ فهي عِوَضٌ من أَلف ذا، وهي في ذانِك عوض من لام ذلك، وقد يحتمل أَيضاً أَن تكون عوضاً من أَلف ذلك، ولذلك كتبت في التخفيف بالتاء لأَنها حينئذ ملحقة بدَعْد، وإِبدال التاء من الياء قليل، إِنما جاء في قولهم كَيْتَ وكَيْتَ، وفي قولهم ثنتان، والقول فيهما كالقول في كيت وكيت، وهو مذكور في موضعه. وذكر الأَزهري في ترجمة حَبَّذا قال: الأَصل حَبُبَ ذا فأُدغمت إِحدى الباءَين في الأُخرى وشُدِّدت، وذا إِشارة إِلى ما يقرب منك؛ وأَنشد بعضهم:
حَبَّـــذا رَجْعُهــا إِلَيْــكَ يَــدَيْها
فــي يَــدَيْ دِرْعِهــا تَحُـلُّ الإِزارا
كأَنه قال: حَبُبَ ذا، ثم ترجم عن ذا فقال: هو رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي ما أَحَبَّه، ويَدا دِرْعِها: كُمَّاها. وفي صفة المهدي: قُرَشِيٌّ يَمانٍ ليس مِن ذِي ولا ذُو أَي ليس نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء اليمن، وهم مُلوكُ حِمْيَرَ، منهم ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ؛ وقوله: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي المَنْشإ؛ قال ابن الأَثير: وهذه الكلمة عينها واو، وقياس لامها أَن تكون ياء لأَن باب طَوَى أَكثر من باب قَوِيَ؛ ومنه حديث جرير: يَطْلُع عليكم رَجل من ذِي يَمَنٍ على وجْهِه مَسْحة من ذي مَلَكٍ؛ قال ابن الأَثير: كذا أَورده أَبو عُمَر الزاهد وقال ذي ههنا صِلة أَي زائدة.تفسير ذاك وذلك: التهذيب: قال أبو الهيثم إذا بعد المشار إليه من المخاطب وكان المخاطب بعيدا ممن يشير إليه زادوا كافا فقالوا ذاك أخوك، وهذه الكاف ليست في موضع خفض ولا نصب، إنما أشبهت كاف قولك أخاك وعصاك فتوهم السامعون أن قول القائل ذاك أخوك كأنها في موضع خفض لإشبهاها كاف أخاك، وليس ذلك كذلك، إنما تلك كاف ضمت إلى ذا لبعد ذا من المخاطب، فلما دخل فيها هذا اللبس زادوا فيها لاما فقالوا ذلك أخوك، وفي الجماعة أولئك إخوتك، فإن اللام إذا دخلت ذهبت بمعنى الإضافة، ويقال: هذا أخوك وهذا أخ لك وهذا لك أخ، فإذا أدخلت اللام فلا إضافة. قال أبو الهيثم: وقد أعلمتك أن الرفع والنصب والخفض في قوله ذا سواء، تقول: مررت بذا ورأيت ذا وقام ذا، فلا يكون فيها علامة رفع الإعراب ولا خفضه ولا نصبه لأنه غير متمكن، فلما ثنوا زادوا في التثنية نونا وأبقوا الألف فقالوا ذان أخواك وذانك أخواك، قال الله تعالى: فذانك برهانان من ربك، ومن العرب من يشدد هذه النون فيقول ذانك أخواك، قال: وهم الذين يزيدون اللام في ذلك فيقولون ذلك، فجعلوا هذه التشديد بدل اللام، وأنشد المبرد في باب ذا الذي قد مر آنفا:
أمـــــن زينــــب ذي النــــار
قبيـــل الصـــبح مـــا تخبـــو
إذا مـــــا خمـــــدت يلقــــى
عليهــــا المنــــدل الـــرطب.
قال أبوالعباس: ذي معناه ذه. يقال: ذا عبد الله وذي أمه الله وذه أمة الله وته أمة الله وتا أمة الله، قال: ويقال هذي هند وهاته هند وهاتا هند، على زيادة التنبيه، قال: وإذا صغرت ذه قلت تيا تصغير ته أو ته، ولا تصغر ذه على لفظها لأنك إذا صغرت ذا قلت ذيا، ولو صغرت ذه لقلت ذيا فالتبس بالمذكر، فصغروا ما يخالف فيه المؤنث المذكر، قال: والمبهمات يخالف تصغيرها تصغير سائر الأسماء. وقال الأخفش في قوله تعالى: فذانك برهانان من ربك، قال: وقرأ بعضهم فذانك برهانان، وهم الذين قالوا ذلك أدخلوا التثقيل للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك، وقال الفراء: شددوا هذه النون ليفرق بينها وبين النون التي تسقط للإضافة لأن هذان وهاتان لا تضافان، وقال الكسائي: هي من لغة من قال هذا آ قال ذلك، فزادوا على الألف الفا كما زادوا على النون نونا ليفصل بينهما وبين الأسماء المتمكنة،وقال الفراء: اجتمع القراء على تحفيف النون من ذانك وكثير من العرب فيقول فذانك قائمان وهذان قائمان واللذان قالا ذلك، وقال أبو إسحق: فذانك تثنية ذاك وذانك تنثية ذلك، يكون بدل اللام في ذلك تشديد النون في ذانك. وقال أبو إسحق: الاسم من ذلك ذا والكاف زيدت للمخاطبة فلا حظ لها في الإعراب. قال سيبويه: لو كان لها حظ في الإعراب لقلت ذلك نفسك، زيد، وهذا خطأ، ولايجوز إلا ذلك نفسه زيد، وكذلك ذانك يشهد أن الكاف لا موضع لها ولو كان لها موضع لكان جرا بالإضافة، والنون لا تدخل مع الإضافة واللام زيدت مع ذلك للتوكيد، تقول: ذلك الحق وهذاك الحق، ويقبح هذالك الحق لأن اللام قد أكدت مع الإشارة وكسرت لالتقاء الساكنين، أعني الألف من ذا، واللام التي بعدها كان ينبغي أن تكون اللام ساكنة ولكنها كسرت لما قلنا والله أعلم.تفسير هذا: قال المنذري: سمعت أَبا الهيثم يقول ها وأَلا حرفان يُفْتَتَحُ بهما الكلام لا معنى لهما إِلا افتتاح الكلام بهما، تقول: هَذا أَخوك، فها تَنبيهٌ وذا اسم المشار إِليه وأَخُوك هو الخبر، قال: وقال بعضهم ها تَنْبِيهٌ تَفتتح العَرَبُ الكلامَ به بلا معنىً سِوى الافتتاح: ها إَنَّ ذا أَخُوك، وأَلا إِنَّ ذا أَخُوك، قال: وإِذا ثَنَّوُا الاسم المبهم قالوا تانِ أُخْتاك وهاتانِ أُخْتاك فرجَعوا إِلى تا، فلما جمعوا قالوا أُولاءِ إِخْوَتُك وأُولاءِ أَخَواتُك، ولم يَفْرُقوا بين الأُنثى والذكر بعلامة، قال: وأُولاء، ممدودة مقصورة، اسم لجماعة ذا وذه، ثم زادوا ها مع أُولاء فقالوا هؤلاء إِخْوَتُك. وقال الفراء في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهم؛ العرب إذا جاءت إِلى اسم مكني قد وُصِفَ بهذا وهذانِ وهؤلاء فَرَقُوا بين ها وبين ذا وجعَلوا المَكْنِيَّ بينهما، وذلك في جهة التقريب لا في غيرها، ويقولون: أَين أَنت؟ فيقول القائل: ها أَناذا، فلا يَكادُون يقُولون ها أَنا، وكذلك التنبيه في الجمع؛ ومنه قوله عز وجل: ها أَنتمْ أُولاء تُحِبُّونهم، وربما أَعادوها فوصلوها بذا وهذا وهؤلاء فيقولون ها أَنتَ ذا قائماً وها أَنْتُم هؤلاء. قال الله تعالى في سورة النساء: ها أَنتُمْ هؤلاء جادَلْتُمْ عنهم في الحياة الدنيا؛ قال: فإِذا كان الكلام على غير تقريب أَو كان مع اسمٍ ظاهرٍ جعلوها موصولةً بذا فيقولون ها هو وهذان هما، إذا كان على خبر يكتفي كل واحد منهما بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بد فيه من فعل لنقصانه، وأَحبوا أَن يفَرقوا بذلك بين التقريب وبين معنى الاسم الصحيح. وقال أَبو زيد: بنو عُقَيْلٍ يقولون هؤلاء، ممدود مُنَوَّنٌ مهموز، قَوْمُكَ، وذهب أَمسٌ بما فيه بتنوين، وتميم تقول: هؤلا قَوْمُك، ساكن، وأَهل الحجاز يقولون: هؤلاء قومُك، مهموز ممدود مخفوض، قال: وقالوا كِلْتا تَيْنِ وهاتين بمعنى واحد، وأَما تأْنيث هذا فإِن أَبا الهيثم قال: يقال في تأْنيث هذا هذِه مُنْطَلِقة فيصلون ياء بالهاء؛ وقال بعضهم: هذي مُنْطَلِقة وتِي منطلقة وتا مُنْطَلِقة؛ وقال كعب الغنوي:
وأَنْبَأْتُمـاني أَنَّمـا الموتُ بالقُرَى
فكيـــف وهاتــا رَوْضــةٌ وكَثِيــبُ
يريد: فكيف وهذه؛ وقال ذو الرمة في هذا وهذه:
فهــذِي طَواهـا بُعْـدُ هـذي، وهـذه
طَواهــا لِهـذِي وخْـدُها وانْسـِلالُها
قال: وقال بعضهم هَذاتُ مُنْطَلِقةٌ، وهي شاذة مرغوب عنها، قال: وقال تِيكَ وتِلْكَ وتالِكَ مُنْطَلِقةٌ؛ وقال القطامي:
تَعَلَّـــمْ أَنَّ بَعْــدَ الغَــيِّ رُشــْداً
وأَنَّ لِتالِـــكَ الغُمَــرِ انْقِشــاعا
فصيّرها تالِكَ وهي مَقُولة، وإِذا ثنيت تا قلت تانِكَ فَعَلَتا ذلك، وتانِّكَ فَعلتا ذاك، بالتشديد، وقالوا في تثنية الذي اللَّذانِ واللَّذانِّ واللَّتانِ واللَّتانِّ، وأَما الجمع فيقال أُولئك فعلوا ذلك، بالمدّ، وأُولاك، بالقصر، والواو ساكنة فيهما. وأَما هذا وهذان فالهاء في هذا تنبيه وذا اسم إِشارة إِلى شيء حاضر، والأَصل ذا ضُمَّ إِليها ها. أَبو الدقيش: قال لرجل أَين فلان؟ قال: هوذا؛ قال الأَزهري: ونحو ذلك حفظته عن العرب. ابن الأنباري: قال بعض أَهل الحجاز هُوَذا، بفتح الواو، قال أَبو بكر: وهو خطأٌ منه لأَن العلماء الموثوق بعلمهم اتفقوا على أَن هذا من تحريف العامة، والعرب إذا أَرادت معنى هوذا قالت ها أَنا ذا أَلقى فلاناً، ويقول الاثنان: ها نحن ذانِ نَلْقاه، وتقول الرجال: ها نحن أُولاءِ نلقاه، ويقول المُخاطِبُ: ها أَنتَ ذا تَلْقَى فلاناً، وللاثنين: ها أَنتما ذان، وللجماعة: ها أَنتم أُولاءِ، وتقول للغائب: ها هو ذا يلقاه وها هُما ذانِ وها هم أُولاءد، ويبنى التأْنيث على التذكير، وتأُويل قوله ها أَنا ذا أَلقاه قد قَرُبَ لِقائي إِياه. وقال الليث: العرب تقول كذا وكذا كافهما كاف التنبيه، وذا اسم يُشار به، والله أَعلم.تصغير ذا وتا وجمعهما: أهل الكوفة يسمون ذا وتا وتلك وذلك وهذا وهذه وهؤلاء والذي والذين التي والللاتي حروف المثل، وأهل البصرة يسمونها حروف الإشارة والأسماء المبهمة، فقالوا في تصغير هذا: ذيا، مثل تصغير ذا، لأن ها تنبيه وذا إشارة وصفة ومثال لاسم من تشير إليه، فقالوا: وتصغير ذلك ذيا، وإن شئت ذيالك، فمن قال ذيا زعم أن اللام ليست بأصله لأن معنى ذلك ذاك، والكاف كاف المخاطب، ومن قال ذيالك صغر على اللفظ وتصغير تلك تيا وتيالك، وتصغير هذه تيا، وتصغير أولئك أوليا، وتصغير هؤلاء هؤليا، قال: وتصغير اللاتي مثل تصغير التي وهي اللتيا، وتصغير اللاتي اللويا، وتصغير الذي اللذيا، والذين اللذيون. وقال أبوالعباس أحمد ابن يحيى: يقال للجماعة التي واحدتها مؤنثة اللاتي واللاتي، إلا للتي واحدتها مؤنثة، يقال: هن اللتي فعلن كذا وكذا واللائي فعلن كذا، وهم الرجال اللائي واللاؤون فعلوا كذا وكذا، وأنشد الفراء:
هــم اللاؤون فكــوا الغــل عنـي
بمــرو الشــاهجان وهــم جنـاحي
وفي التنزيل العزيز: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، وقال في موضع آخر، واللائي لم يحضن، ومنه قول الشاعر:
مـن اللاء لـم يحججـن يبغين حسبة
ولكــن ليقتلـن الـبريء المغفلا
وقال العجاج:
بعــد اللتيــا واللتيـا والـتي
إذا علتهــــا أنفــــس تـــردت
يقال منه: لقي منه اللتيا والتي إذا لقي منه الجهد والشدة، أراد بعد عقبة من عقاب الموت منكرة إذا أشرفت عليها النفس تردت أي هلكت، وقبله:
إلـــى أمـــار وأمـــار مــدتي
دافـــع عنـــي بنقيــر موتــتي
بعــد اللتيــا واللتيـا والـتي
إذا علتهــــا أنفــــس تـــردت
فارتـــاح ربـــي وأراد رحمــتي
ونعمـــــة أتمهـــــا فتمــــت
وقال الليث: الذي تعريف لذ ولذي، فلما قصرت قووا اللام بلام أخرى، ومن العرب من يخذف الياء فيقول هذا اللذ فعل، كذا بتسكين الذال، وأنشد:
كاللــذ تزبــى زبيــة فاصـطيدا
وللاثنين هذان اللذان، وللجمع هؤلاء الذين، قال: ومنهنم من يقول هذان اللذا، فأما الذين أسكنوا الذال وحذفوا الياء التي بعدها فإنهم لما أدخلوا في الاسم لام المعرفة طرحوا الزيادة التي بعد الذال وأسكنت الذال، فلما ثنوا حذفوا النون فأدخلوا على الاثنين لحذف النون ما أدخلوا على الواحد بإسكان الذال، وكذلك الجمع، فإن قال قائل: ألا قالوا اللذو في الجمع بالواو؟ فقل: الصواب في القياس ذلك ولكن العرب اجتمعت على الذي بالياء والجر والنصب والرفع سواء، وأنشد:
وإن الــذي حـانت بفلـج دمـاؤهم
هـم القوم كل القوم يا أم خالد.
وقال الأخطل:
أبنــي كليــب إن عمــي اللــذا
قتلا الملــــوك وفككـــا الأغلالا
وكذلك يقولون اللتا والتي وأنشد:
همــا اللتــا أقصـدني سـهماهما
وقال الخيلي وسيبويه فيما رواه أبو إسحق لهما إنهما قالا: الذين لا يظهر فيها الإعراب، تقول في النصب والرفع والجر أتاني الذين في الدار ورأيت الذين ومررت بالذين في الدار، وكذلك الذي في الدار، قالا، وإنما منعا الإعراب، وأصل الذي لذ، فاعلم، على وزن عم، فإن قال قائل: فما بالك تقول أتاني اللذان في الدار ورأيت اللذين في الدار فتعرب مالا يعرب في الواحد في تثنيته نحو هذان وهذين وأنت لا تعرب هذا ولا هؤلاء؟ فالجواب في ذلك: أن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإن ثنيته فقد بطل شبه الحرف الذي جاء لمعنى لأن حروف المعاني لا تثنى، فإن قال قائل: فلم منعته الإعراب في الجمع؟ قلت: لأن الجمع ليس على حد التثينة كالواحد، ألا ترى أنك تقول في جمع هذا هؤلاء يا فتى؟ اسما للجمع فتبنيه كما بنيت الواحد، ومن جمع الذين على حد التثنية قال جاءني اللذون في الدار، ورأيت الذين في الدار، وهذا لا ينبغي أن يقع لأن الجمع يستغنى فيه عن حد التثنية، والتثنية ليس لها إلا ضرب واحد. ثعلب عن ابن الأعرابي: الألى في معنى الذين، وأنشد:
فـإن الألـى بـالطف مـن آل هاشم.
قال ابن الأنباري: قال ابن قتيبة في قوله عز وجل: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا، معناه كمثل الذين استوقدوا نارا، فالذي قد يأتي مؤديا عن الجمع في بعض المواضع، واحتج بقوله:
إن الــذي حــانت بفلـج دمـاءهم
قال أبو بكر: احتجاجه على الآية بهذا البيت غلط لأن الذي في القرآن اسم واحد ربما أدى عن الجمع فلا واحد له، والذي في البيت جمع واحده اللذ، وتثنيته اللذا، وجمعها الذي، والعرب تقول جاءني الذي تكلموا، وواحد الذي اللذ، وأنشد:
يــا رب عبـس لا تبـارك فـي أحـد
فــي قـائم منهـم ولا فيمـن قعـد
إلا الـذي قـاموا بـأطراف المسـد
أراد الذين. قال أبو بكر: والذي في القرآن واحد ليس له واحد، والذي في البيت جمع له واحد، وأنشد الفراء:
فكنــت والأمــر الـذي قـد كيـدا
كاللــذ تزبــى زبيــة فاصـطيدا
وقال الأخطل:
أبنــي كليــب إن عمــي اللــذا
قتلا الملــــوك وفككـــا الأغلالا
قال: والذي يكون مؤدبا عن الجمع وهو واحد لا واحد له في مثل قول الناس اوصي بمالي للذي غزا وحج، معناه للغازين والحجاج. وقال الله تعالى: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن، قال الفراء: معناه تماما للمحسنين أي تماما للذين أحسنوا، يعني أنه تمم كتبهم بكتابه، ويجوز أن يكون المعنى تماما على ما أحسن أي تماما اللذي أحسنه من العلم وكتب الله القديمة، قال: ومعنى قوله تعالى: كمثل الذي استوقد نارا، أي مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل كان في ظلمة لا يبصر من أجلها ما عن يمينه وشماله وورائه وبين يديه، وأوقد نارا فأبصر بها ما حوله من قذى وأذى، فبينا هو كذلك طفئت ناره فرجع إلى ظلمته الأولى، فكذلك المنافقون كانوا في ظلمة الشرك ثم أسلموا فعرفوا الخير والشر بالإسلام، كما عرف المستوقد لما طفئت ناره ورجع إلى أمره الأول.وقال في موضع آخر: ذا يُوصَل به الكلام؛ وقال:
تَمَنَّــى شــَبِيبٌ مِيتــةً سـَفَلَتْ بـه
وذا قَطَـــرِيٍّ لَفَّـــهْ منـــه وائِلُ
يريد قَطَرِيّاً وذا صِلةٌ؛ وقال الكميت:
إِليكُمــ، ذَوي آلِ النـبيِّ، تَطَلَّعَـتْ
نَــوازِعُ مِـنْ قَلْبِـي ظِمـاءٌ وأَلْبُـبُ
وقال آخر:
إِذا مــا كُنْــتُ مِثْــلَ ذَوَي عُوَيْـفٍ
ودِينـــارٍ فقـــامَ عَلَــيَّ نــاعِي
وقال أَبو زيد: يقال ما كلمتُ فلاناً ذاتَ شَفَةٍ ولا ذاتَ فَمٍ أَي لم أُكَلِّمه كَلِمة. ويقال: لا ذا جَرَمَ ولا عَنْ ذا جَرَمَ أَي لا أَعلم ذاكَ هَهُنا كقولهم لاها اللهِ ذا أَي لا أَفعل ذلك، وتقول: لا والذي لا إِله إِلا هو فإِنها تملأُ الفَمَ وتَقْطَعُ الدم لأَفْعَلَنَّ ذلك، وتقول: لا وَعَهْدِ الله وعَقْدِه لا أَفعل ذلك.تفسير إِذْ وإِذا وإِذْنْ مُنَوَّنةً: قال الليث: تقول العرب إِذْ لم ا مضَى وإِذا لما يُسْتَقْبَل الوقتين من الزمان، قال: وإِذا جواب تأْكيد للشرط يُنوَّن في الاتصال ويسكن في الوقف، وقال غيره: العرب تضع إِذ للمستقبل وإِذا للماضي، قال الله عز وجل: ولو تَرَى إِذْ فَزِعُوا؛ معناه ولو تَرى إِذْ يَفْزَعُونَ يومَ القيامة، وقال الفراء: إِنما جاز ذلك لأَنه كالواجب إِذْ كان لا يُشَكُّ في مجيئه، والوجه فيه إذا كما قال الله عز وجل: إذا السماءُ انْشَقَّتْ وإِذا الشمسُ كُوِّرَتْ؛ ويأْتي إذا بمعنى إِن الشَّرْط كقولك أُكْرِمُك إذا أَكْرَمْتَني، معناه إِن أَكرمتني، وأَما إِذ الموصُولةُ بالأَوقات فإِن العرب تصلها في الكتابة بها في أَوْقات مَعْدُودة في حِينَئذ ويَومَئِذ ولَيْلَتَئِذ وغَداتَئِذ وعَشِيَّتَئِذ وساعَتَئِذ وعامَئِذٍ، ولم يقولوا الآنَئِذٍ لأَن الآن أَقرب ما يكون في الحال، فلما لم يتحوَّل هذا الاسمُ عن وقتِ الحالِ ولم يتباعدْ عن ساعَتِك التي أَنت فيها لم يتمكن ولذلك نُصِبت في كل وجه، ولما أَرادوا أَن يُباعِدوها ويُحوِّلوها من حال إِلى حال ولم تَنْقَدْ كقولك أَن تقولوا الآنَئِذ، عكسوا ليُعْرَفَ بها وقتُ ما تَباعَدَ من الحال فقالوا حينئذ، وقالوا الآن لساعَتِك في التقريب، وفي البعد حينئذ، ونُزِّل بمنزلتها الساعةُ وساعَتَئذ وصار في حدهما اليوم ويومئذ، والحروفُ التي وصفنا على ميزان ذلك مخصوصةٌ بتوقيت لم يُخَصّ به سائر أزمان الأَزمنة نحو لَقِيته سَنةَ خَرَجَ زَيْدٌ، ورأَيتُه شَهْرَ تَقَدَّم الحَجَّاجُ؛ وكقوله:
فــي شـَهْرَ يَصـْطادُ الغُلامُ الـدُّخَّلا
فمن نصب شهراً فإِنه يجعل الإِضافة إِلى هذا الكلام أَجمع كما قالوا زَمَنَ الحَجَّاجُ أَميرٌ. قال الليث: فإِنَّ..... إِذ بكلام يكون صلة أَخرجتها من حد الإِضافة وصارت الإِضافة إِلى قولك إِذ تقول، ولا تكون خبراً كقوله:
عَشــــِيَّةَ إِذْ تَقُـــولُ يُنَوِّلُـــوني
كما كانت في الأَصل حيث جَعَلْتَ تَقُولُ صِلةً أَخرجتها من حد الإِضافة وصارت الإِضافة إِذ تقول جملة. قال الفراء: ومن العرب من يقول كان كذا وكذا وهو إِذْ صَبِيٌّ أَي هُو إِذْ ذاك صبي؛ وقال أَبو ذؤيب:
نَهَيْتُـــك عــن طِلابِــكَ أُمَّ عَمْــروٍ
بِعافِيَــــةٍ، وأَنْـــتَ إِذٍ صـــَحِيحُ
قال: وقد جاء أَوانَئِذٍ في كلام هذيل؛ وأَنشد:
دَلَفْــــتُ لهـــا أَوانَئِذٍ بســـَهْمٍ
نَحِيـــضٍ لـــم تُخَــوِّنْه الشــُّرُوجُ
قال ابن الأَنباري في إِذْ وإِذا: إِنما جاز للماضي أَن يكون بمعنى المستقبل إذا وقع الماضي صِلَةً لِمُبْهَم غير مُؤَقت، فجَرى مَجْرى قوله: إِنَّ الذين كَفَروا ويَصُدُّون عن سبيل الله؛ معناه إِنَّ الذين يكفرون ويَصُدُّون عن سبيل الله، وكذلك قوله: إِلا الذين تابوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عليهم؛ معناه إِلا الذين يتوبون، قال: ويقال لا تَضْرِب إِلا الذي ضَرَبَك إذا سلمت عليه، فتَجِيء بإِذا لأَنَّ الذي غير مُوَقت، فلو وَقَّته فقال اضْرِبْ هذا الذي ضَرَبَك إِذ سلَّمْتَ عليه، لم يجز إذا في هذا اللفظ لأَن توقيت الذي أَبطل أَن يكون الماضي في معنى المستقبل، وتقول العرب: ما هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَه، فإِذا جاؤوا بإِذا قالوا ما هَلَكَ إذا عَرَفَ قَدْرَه، لأَن الفِعل حَدَثٌ عن منكور يراد به الجنس، كأَنَّ المتكلم يريد ما يَهْلِكُ كل امْرِئ إذا عَرَف قَدْرَه ومتى عَرَف قدره، ولو قال إذ عرف قدره لوجب توقيت الخبر عنه وأَن يقال ما هَلَك امْرُؤٌ إِذْ عرَف قدره، ولذلك يقال قد كنتُ صابراً إذا ضَرَبْتَ وقد كنتُ صابراً إِذ ضَربتَ، تَذهب بإِذا إِلى ترْدِيد الفعل، تُريد قد كنتُ صابراً كلَّما ضَرَبْتَ، والذي يقول إِذْ ضَرَبْتَ يَذْهَبُ إِلى وقت واحد وإِلى ضرب معلوم معروف؛ وقال غيره: إذا وَلِيَ فِعْلاً أَو اسماً ليس فيه أَلف ولام إِن كان الفعل ماضياً أَو حرفاً متحركاً فالذال منها ساكنة، فإِذا وَلِيَتِ اسماً بالأَلف واللام جُرَّت الذال كقولك: إِذِ القوم كانوا نازِلينَ بكاظِمةَ، وإِذِ الناس مَن عَزَّ بَزَّ، وأَما إذا فإِنها إذا اتصلت باسم مُعرَّف بالأَلف واللام فإِن ذالها تُفتح إذا كان مستقبلاً كقول الله عزَّ وجل: إذا الشمسُ كُوِّرَتْ وإِذا النُّجوم انْكَدَرَتْ، لأَنَّ معناها إِذا. قال ابن الأَنباري: إذا السماء انشقَّت، بفتح الذال، وما أَشبهها أَي تَنْشَقُّ، وكذلك ما أَشبهها، وإِذا انكسرت الذال فمعناها إذ التي للماضي غير أَنَّ إِذْ تُوقَع مَوْقع إذا وإِذا موقع إِذْ. قال الليث في قوله تعالى: ولَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُون في غَمَراتِ الموت؛ معناه إذا الظالمون لأَن هذا الأمر مُنْتَظَر لم يَقَع؛ قال أَوس في إذا بمعنى إِذْ:
الحــافِظُو النـاسِ فـي تَحُـوطَ إِذا
لـم يُرْسـِلُوا، تَحْـتَ عـائِذٍ، رُبَعـا
أَي إِذْ لم يُرْسِلُوا؛ وقال على أَثره:
وهَبَّـــتِ الشــامِلُ البَلِيلُــ، وإِذْ
بــاتَ كَمِيــعُ الفَتــاةِ مُلْتَفِعــا
وقال آخر:
ثــــم جَــــزاه اللـــهُ عَنَّـــا
إِذْ جَزى، جَنَّاتِ عَدْنٍ والعلالِيَّ العُلا
أَراد: إذا جَزَى. وروى الفراء عن الكسائي أَنه قال: إذا منوّنة إذا خَلت بالفعل الذي في أَوَّله أَحد حروف الاستقبال نصبته، تقول من ذلك: إِذاً أَكْرِمَك، فإذا حُلْتَ بينها وبينه بحرف رَفَعْتَ ونصبت فقلت: فإِذاً لا أُكْرِمُك ولا أُكْرِمَك، فمن رفع فبالحائل، ومن نصب فعلى تقدير أَن يكون مُقدَّماً، كأَنك قلت فلا إذا أُكْرِمَك، وقد خلت بالفعل بلا مانع. قال أَبو العباس أَحمد بن يحيى: وهكذا يجوز أَن يُقرأَ: فإِذاً لا يُؤتُون الناسَ نَقِيراً، بالرفع والنصب، قال: وإِذا حُلت بينها وبين الفعل باسم فارْفَعه، تقول إذا أَخُوك يُكْرِمُك، فإِن جعلت مكان الاسم قسَماً نَصَبْتَ فقلت إذا والله تَنامَ، فإِن أَدخلت اللام على الفعل مع القَسَم رفعت فقلت إذا واللهِ لَتَنْدَمُ، قال سيبويه: حكى بعض أَصحاب الخليل عنه أَنْ هي العامِلةُ في باب إِذاً، قال سيبويه: والذي نذهب إِليه ونحكيه عنه أَن إذا نَفسها الناصِبةُ، وذلك لأَن إذا لما يُسْتَقبل لا غير في حال النصب، فجعلها بمنزلة أَنْ في العمل كما جُعلت لكنّ نظيرة إِنَّ في العمل في الأَسماء، قال: وكلا القولين حَسَنٌ جَمِيل. وقال الزَّجاج: العامل عندي النصب في سائر الأَفعال أَنْ، إِما أَن تقع ظاهرة أَو مضمرة. قال أَبو العباس: يكتب كَذَى وكَذَى بالياء مثل زكى وخَسَى، وقال المبرد: كذا وكذا يكتب بالأَلف لأَنه إذا أُضيف قيل كذاك، فأُخبر ثعلب بقوله فقال: فتى يكتب بالياء ويضاف فيقال فتاك، والقراء أَجمعوا على تفخيم ذا وهذه وذاك وذلك وكذا وكذلك، لم يميلوا شيئاً من ذلك، والله أَعلم.