المعنى:
الحاجَةُ والحائِجَةُ: المَأْرَبَةُ، معروفة. وقوله تعالى: ولِتَبْلُغُوا عليها حاجةً في صدوركم؛ قال ثعلب: يعني الأَسْفارَ، وجمعُ الحاجة حاجٌ وحِوَجٌ؛ قال الشاعر:
لَقَـدْ طـالَ مـا ثَبَّطْتَنـي عن صَحابَتي،
وعَــنْ حِــوَجٍ، قَضـَاؤُها مِـنْ شـِفَائِيَا
وهي الحَوْجاءُ، وجمع الحائِجَة حوائجُ. قال الأَزهري: الحاجُ جمعُ الحاجَةِ، وكذلك الحوائج والحاجات؛ وأَنشد شمر:
والشــَّحْطُ قَطَّــاعٌ رَجــاءَ مَـنْ رَجـا،
إِلاَّ احْتِضــارَ الحــاجِ مَــنْ تَحَوَّجــا
قال شمر: يقول إذا بعد من تحب انقطع الرجاء إِلاَّ أَن تكون حاضراً لحاجتك قريباً منها. قال: وقال رجاء من رجاء، ثم استثنى، فقال: إِلا احتضار الحاج، أَن يحضره. والحاج: جمع حاجة؛ قال الشاعر:
وأُرْضـــِعُ حاجَـــةً بِلِبــانِ أُخْرىــ،
كـــذاك الحــاجُ تُرْضــَعُ باللِّبــانِ
وتَحَوَّجَ: طلب الحاجَةَ؛ وقال العجاج:
إِلاَّ احْتِضــارَ الحــاجِ مــن تَحَوَّجــا
والتَحَوُّجُ: طلب الحاجة بعد الحاجة. والتَحَوُّج: طلبُ الحاجَةِ.غيره: الحاجَةُ في كلام العرب، الأَصل فيها حائجَةٌ، حذفوا منها الياء، فلما جمعوها ردوا إِليها ما حذفوا منها فقالوا: حاجةٌ وحوائجُ، فدل جمعهم إِياها على حوائج أَن الياء محذوفة منها. وحاجةٌ حائجةٌ، على المبالغة.الليث: الحَوْجُ، من الحاجَة. وفي التهذيب: الحِوَجُ الحاجاتُ. وقالوا: حاجةٌ حَوْجاءُ.ابن سيده: وحُجْتُ إِليك أَحُوجُ حَوْجاً وحِجْتُ، الأَخيرةُ عن اللحياني؛ وأَنشد للكميت بن معروف الأَسدي:
غَنِيتُــ، فَلَـم أَرْدُدْكُـمُ عِنْـدَ بُغْيَـةٍ،
وحُجْتُــ، فَلَــمْ أَكْــدُدْكُمُ بِالأَصــابِع
قال: ويروى وحِجْتُ؛ قال: وإِنما ذكرتها هنا لأَنها من الواو، قال: وسنذكرها أَيضا في الياء لقولهم حِجْتُ حَيْجاً. واحْتَجْتُ وأَحْوَجْتُ كَحُجْتُ. اللحياني: حاجَ الرجلُ يَحُوجُ ويَحِيجُ، وقد حُجْتُ وحِجْتُ أَي احْتَجْتُ.والحَوْجُ: الطَّلَبُ. والحُوجُ: الفَقْرُ؛ وأَحْوَجَه الله.والمُحْوِجُ: المُعْدِمُ من قوم مَحاويجَ. قال ابن سيده: وعندي أَن مَحاويجَ إِنما هو جمع مِحْواجٍ، إِن كان قيل، وإِلاَّ فلا وجه للواو.وتَحَوَّجَ إِلى الشيء: احتاج إِليه وأَراده.غيره: وجمع الحاجةِ حاجٌ وحاجاتٌ وحَوائِجُ على غير قياس، كأَنهم جمعوا حائِجَةً، وكان الأَصمعي ينكره ويقول هو مولَّد؛ قال الجوهري: وإِنما أَنكره لخروجه عن القياس، وإِلاَ فهو كثير في كلام العرب؛ وينشد:
نَهــارُ المَــرْءِ أَمْثَلُـ، حِيـنَ تُقْضـَى
حَـــوائِجُهُ، مِــنَ اللَّيْــلِ الطَّويــلِ
قال ابن بري: إِنما أَنكره الأَصمعي لخروجه عن قياس جمع حاجة؛ قال: والنحويون يزعمون أَنه جمع لواحد لم ينطق به، وهو حائجة. قال: وذكر بعضهم أَنه سُمِعَ حائِجَةٌ لغة في الحاجةِ. قال: وأَما قوله إِنه مولد فإِنه خطأٌ منه لأَنه قد جاء ذلك في حديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي أَشعار العرب الفصحاء، فمما جاء في الحديث ما روي عن ابن عمر: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إِن لله عباداً خلقهم لحوائج الناس، يَفْزَعُ الناسُ إِليهم في حوائجهم، أُولئك الآمنون يوم القيامة. وفي الحديث أَيضاً: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: اطْلُبُوا الحوائجَ إِلى حِسانِ الوجوه. وقال صلى الله عليه وسلم: استعينوا على نَجاحِ الحوائج بالكِتْمانِ لها؛ ومما جاء في أَشعار الفصحاء قول أَبي سلمة المحاربي:
ثَمَمْـــتُ حَـــوائِجِي ووَذَأْتُ بِشـــْراً،
فبِئْسَ مُعَـــرِّسُ الرَّكْـــبِ الســـِّغابُ،
قال ابن بري: ثممت أَصلحت؛ وفي هذا البيت شاهد على أَن حوائج جمع حاجة، قال: ومنهم من يقول جمع حائجة لغة في الحاجةِ؛ وقال الشماخ:
تَقَطَّــــعُ بيننـــا الحاجـــاتُ إِلاَّ
حـــوائجَ يَعْتَســـِفْنَ مَــعَ الجَريــء
وقال الأَعشى:
النــــــاسُ حَـــــولَ قِبـــــابِهِ:
أَهــــلُ الحــــوائج والمَســــائلْ
وقال الفرزدق:
ولــي ببلادِ السـِّنْدِ، عنـدَ أَميرِهـا،
حــوائجُ جمَّــاتٌ، وعِنــدي ثوابُهــا
وقال هِمْيانُ بنُ قحافة:
حــتى إذا مــا قَضــَتِ الحوائِجَــا،
ومَلأَتْ حُلاَّبُهـــــــا الخَلانِجَـــــــا
قال ابن بري: وكنت قد سئلت عن قول الشيخ الرئيس أَبي محمد القاسم بن علي الحريري في كتابه دُرَّة الغَوَّاص: إِن لفظة حوائج مما توهَّم في استعمالها الخواص؛ وقال الحريري: لم أَسمع شاهداً على تصحيح لفظة حوائج إِلا بيتاً واحداً لبديع الزمان، وقد غلط فيه؛ وهو قوله:
فَســِيَّانِ بَيْــتُ العَنْكَبُــوتِ وجَوْســَقٌ
رَفِيعٌـ، إذا لـم تُقْـضَ فيـه الحوائجُ
فأَكثرت الاستشهاد بشعر العرب والحديث؛ وقد أَنشد أَبو عمرو بن العلاء أَيضاً:
صــَرِيعَيْ مُــدامٍ، مـا يُفَـرِّقُ بَيْنَنـا
حــوائجُ مـن إِلقـاحِ مـالٍ، ولا نَخْـلِ
وأَنشد ابن الأَعرابي أَيضاً:
مَـنْ عَـفَّ خَفَّـ، علـى الوُجُوهِ، لِقاؤُهُ،
وأَخُـــو الحَــوائِجِ وجْهُــه مَبْــذُولُ
وأَنشد أَيضاً:
فـــإِنْ أُصـــْبِحْ تُخــالِجُني هُمُــومٌ،
ونَفْـــسٌ فـــي حوائِجِهــا انْتِشــارُ
وأَنشد ابن خالويه:
خَلِيلَيَّـ، إِنْ قـامَ الهَوَى فاقْعُدا بِهِ،
لَعَنَّــا نُقَضــِّي مــن حَوائِجِنـا رَمّـا
وأَنشد أَبو زيد لبعض الرُّجّاز:
يــا رَبَّــ، رَبَّ القُلُــصِ النَّــواعِجِ،
مُســــْتَعْجِلاتٍ بِــــذَوِي الحَــــوائِجِ
وقال آخر:
بَــدَأْنَ بِنــا لا راجِيــاتٍ لخُلْصــَةٍ،
ولا يائِســاتٍ مــن قَضــاءِ الحَـوائِجِ
قال: ومما يزيد ذلك إِيضاحاً ماقاله العلماء؛ قال الخليل في العين في فصل راح يقال: يَوْمٌ راحٌ وكَبْشٌ ضافٌ، على التخفيف، مِن رائح وضائف، بطرح الهمزة، كما قال أَبو ذؤيب الهذلي:
وســَوَّدَ مـاءُ المَـرْدِ فاهـا، فَلَـوْنهُ
كَلَـوْنِ النَّـؤُورِ، وهْـي أَدْمـاءُ سارُها
أَي سائرها. قال: وكما خففوا الحاجة من الحائجة، أَلا تراهم جمعوها على حوائج؟ فأَثبت صحة حوائج، وأَنها من كلام العرب، وأَن حاجة محذوفة من حائجة، وإِن كان لم ينطق بها عنده. قال: وكذلك ذكرها عثمان بن جني في كتابه اللمع، وحكى المهلبي عن ابن دريد أَنه قال حاجة وحائجة، وكذلك حكى عن أَبي عمرو بن العلاء أَنه يقال: في نفسي حاجَةٌ وحائجة وحَوْجاءُ، والجمع حاجاتٌ وحوائجُ وحاجٌ وحِوَجٌ. وذكر ابن السكيت في كتابه الأَلفاظ، باب الحوائج: يقال في جمع حاجةٍ حاجاتٌ وحاجٌ وحِوَجٌ وحَوائجُ. وقال سيبويه في كتابه، فيما جاء فيه تَفَعَّلَ واسْتَفْعَلَ، بمعنى، يقال: تَنَجَّزَ فلانٌ حوائِجَهُ واسْتَنْجَزَ حوائجَهُ. وذهب قوم من أَهل اللغة إِلى أَن حوائج يجوز أَن يكون جَمْعَ حوجاء، وقياسها حَواجٍ، مثل صَحارٍ، ثم قدّمت الياء على الجيم فصار حَوائِجَ؛ والمقلوب في كلام العرب كثير. والعرب تقول: بُداءَاتُ حَوائجك، في كثير من كلامهم. وكثيراً ما يقول ابن السكيت: إِنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين والراحات، وإِنما غلط الأَصمعي في هذه اللفظة كما حكي عنه حتى جعلها مولّدة كونُها خارجةً عن القياس، لأَن ما كان على مثل الحاجة مثل غارةٍ وحارَةٍ لا يجمع على غوائر وحوائر، فقطع بذلك على أَنها مولدة غير فصيحة، على أَنه قد حكى الرقاشي والسجستاني عن عبد الرحمن عن الأَصمعي أَنه رجع عن هذا القول، وإِنما هو شيء كان عرض له من غير بحث ولا نظر، قال: وهذا الأَشبه به لأَن مثله لا يجهل ذلك إِذ كان موجوداً في كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب الفصحاء؛ وكأَن الحريريّ لم يمرّ به إِلا القول الأَول عن الأَصمعي دون الثاني، والله أَعلم.والحَوْجاءُ: الحاجةُ. ويقال ما في صدري به حوجاء ولا لَوْجاءُ، ولا شَكٌّ ولا مِرْيَةٌ، بمعنى واحد. ويقال: ليس في أَمرك حُوَيْجاءُ ولا لُوَيْجاءُ ولا رُوَيْغَةٌ، وما في الأَمر حَوْجاء ولا لَوْجاء أَي شك؛ عن ثعلب. وحاجَ يَحوجُ حَوْجاً أَي احتاج. وأَحْوَجَه إِلى غيره وأَحْوَجَ أَيضاً: بمعنى احتاج. اللحياني: ما لي فيه حَوْجاءُ ولا لوجاء ولا حُوَيجاء ولا لُوَيجاء؛ قال قيس بن رقاعة:
مَـنْ كـانَ، فـي نَفْسِه، حَوْجاءُ يَطْلُبُها
عِنــدي، فَــإِني لــه رَهْـنٌ بإِصـْحارِ
أُقِيــمُ نَخْــوَتَه، إِنْ كـان ذا عِـوَجٍ،
كمـا يُقَـوِّمُ، قِـدْحَ النَّبْعَـةِ، البارِي
قال ابن بري المشهور في الرواية:
أُقِيــمُ عَــوْجَتَه إِن كــان ذا عــوج
وهذا الشعر تمثل به عبد الملك بعد قتل مصعب بن الزبير وهو يخطب على المنبر بالكوفة، فقال في آخر خطبته: وما أَظنكم تزدادون بعدَ المَوْعظةِ إِلاَّ شرّاً، ولن نَزْدادَ بَعد الإِعْذار إِليكم إِلاّ عُقُوبةً وذُعْراً، فمن شاء منكم أَن يعود إِليها فليعد، فإِنما مَثَلي ومَثَلكم كما قال قيس بن رفاعة:
مَــنْ يَصـْلَ نـارِي بِلا ذَنْـبٍ ولا تِـرَةٍ،
يَصــْلي بنــارِ كريمٍــ، غَيْـرِ غَـدَّارِ
أَنــا النَّـذِيرُ لكـم منـي مُجـاهَرَةً،
كَــيْ لا أُلامَ علــى نَهْيــي وإِنْـذارِي
فإِنْ عَصِيْتُمْ مقالي، اليومَ، فاعْتَرِفُوا
أَنْ سـَوْفَ تَلْقَـوْنَ خِزْيـاً، ظاهِرَ العارِ
لَتَرْجِعُــــنَّ أَحادِيثــــاً مُلَعَّنَـــةً،
لَهْـوَ المُقِيمِـ، ولَهْوَ المُدْلِجِ السارِي
مَـنْ كـانَ، فـي نَفْسِه، حَوْجاءُ يَطْلُبُها
عِنــدي، فــإِني لــه رَهْـنٌ بإِصـْحارِ
أُقِيــمُ عَــوْجَتَه، إِنْ كـانَ ذا عِـوَجٍ،
كمـا يُقَـوِّمُ، قِـدْحَ النَّبْعَـةِ، البارِي
وصـاحِبُ الـوِتْرِ لَيْسـَ، الدَّهْرَ، مُدْركَهُ
عِنــدي، وإنــي لَــدَرَّاكٌ بِأَوْتــارِي
وفي الحديث: أَنه كوى سَعْدَ بنَ زُرارَةَ وقال: لا أَدع في نفسي حَوْجاءَ مِنْ سَعْدٍ؛ الحَوْجاءُ: الحاجة، أَي لا أَدع شيئاً أَرى فيه بُرْأَة إِلاّ فعلته، وهي في الأَصل الرِّيبَةُ التي يحتاج إِلى إِزالتها؛ ومنه حديث قتادة قال في سجدة حم: أَن تَسْجُدَ بالأَخيرة منهما، أَحْرى أَنْ لا يكون في نفسك حَوْجاءُ أَي لا يكون في نفسك منه شيء، وذلك أَن موضع السجود منها مختلف فيه، هل هو في آخر الآية الُولى أَو آخر الآية الثانية، فاختار الثانية لأَنه أَحوط؛ وأَن يسجد في موضع المبتدإِ، وأَحرى خبره.وكَلَّمه فما رَدَّ عليه حَوْجاء ولا لَوْجاء، ممدود، ومعناه: ما ردَّ عليه كلمة قبيحةً ولا حَسَنَةً، وهذا كقولهم: فما رد عليَّ سوداء ولا بيضاء أَي كلمة قبيحة ولا حسنة. وما بقي في صدره حوجاء ولا لوجاء إِلا قضاها.والحاجة: خرزة لا ثمن لها لقلتها ونفاستها؛ قال الهذلي:
فَجـاءَت كخاصـِي العَيْرِ لم تَحْلَ عاجَةً،
ولا حاجَــةٌ منهــا تَلُـوحُ علـى وَشـْمِ
وفي الحديث: قال له رجل: يا رسول ا، ما تَرَكْتُ من حاجَةٍ ولا داجَةٍ إِلا أَتَيْتُ؛ أَي ما تركت شيئاً من المعاصي دعتني نفسي إِليه إِلا وقد ركبته؛ وداجَةٌ إِتباع لحاجة، والأَلف فيها منقلبة عن الواو.ويقال للعاثر: حَوْجاً لك أَي سلامَةً، وحكى الفارسي عن أَبي زيد: حُجْ حُجَيَّاكَ، قال: كأَنه مقلوبٌ مَوْضِعُ اللاَّم إِلى العين.