المعنى:
جنى الذنب عليه جناية: جره، قال أبو حية النميري:
وإن دمـا لـو تعلميـن جنيتـه
على الحي جاني مثله غير سالم
ورجل جان من قوم جناة وجناء، الأخيرة عن سيبويه، فأما قولهم في المثل: أبناؤها أجناؤها، فزعم أبو عبيد أن أبناء جمع بان واجناء جمع جان كشاهد وأشهاد وصاحب وأصحاب. قال ابن سيده: وأراهم لم يسكروا بانيا على أبناء ولا جانيا على أجناء إلا في هذا المثل، المعنى أن الذي جنى وهدم هذه الدار هو الذي كان بناها بغير تدبير فاحتاج إلى نقض ما عمل وإفساده، قال الجوهري: وأنا أظن أن أصل المثل جناتها بناتها، لأن فاعلا لا يجمع على أفعال، وأما الأشهاد والأصحاب فإنما هما جمع شهد وصحب، إلا أن يكون هذا من النوادر لأنه يجيء في الأمثال مالا يجيء في غيرها، قال ابن بري: ليس المثل كما ظنه الجوهري من قوله جناتها بناتها، بل المثل كما نقل، لا خلاف بين أحد من أهل اللغة فيه، قال: وقوله إن أشهادا وأصحابا جمع شهد وصحب سهو منه لأن فعلا لا يجمع على أفعال إلا شاذا، قال: ومذهب البصريين أن أشهادا وأصحابا وأطيارا جمع شاهد وصاحب وطائر، فإن قيل: فإن فعلا إذا كانت عينه واوا أو ياء جاز جمعه على أفعال نحو شيخ وأشياخ وحوض وأحواض، فهلا كان أطيار للقليل، ألا تراك تقول ثلاثة أطيار؟ ولو كان أطيار في هذا جمعا لطير الذي هو جمع لكان المعنى ثلاثة جموع من الطير، ولم يرد ذلك، قال: وهذا المثل يضرب لمن عمل شيئا بغير روية فأخطأ فيه ثم استدركه فنقض ما عمله، وأصله أن بعض ملوك اليمن غزا واستخلف ابنته فبنت بمشورة قوم بنيانا كرهه أبوها، فلما قدم أمر المشيرين ببنائه أن يهدموه، والمعنى أن الذين جنوا على هذه الدار بالهدم هم الذين كانوا بنوها، فالذي جنى تلافى ما جنى، والمدينة التي هدمت اسمها براقش، وقد ذكرناها في فصل برقش. وفي الحديث: لا يجني جان إلا على نفسه، الجناية: الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة، والمعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهم جناية لا يطالب بها الآخر لقوله عز وجل: ولا تزر وازرة وزر أخرى. وجنى فلان على نفسه إذا جر جريرة يجني جناية على قومه. وتجنى فلان على فلان ذنبا إذا تقوله عليه وهو بريء. وتجنى عليه وجانى: ادعى عليه جناية. شمر: جنيت لك وعليك، ومنه قوله:
جانيـك مـن يجنـي عليـك وقـد
تعـدي الصـحاح فتجـرب الجـرب
أبو عبيد: قولهم جانيك من يجني يضرب مثلا للرجل يعاقب بجناية ولا يؤخذ غيره بذنبه، إنما يجنيك من جنايته راجعة إليك، وذلك أن الإخوة يجنون على الرجل، يدل على ذلك قوله: وقد تعدي الصحاح الجرب، وقال أبو الهيثم في قولهم جانيك من يجني عليك: يراد به الجاني لك الخير من يجني عليك الشر، وأنشد:
جانيـك مـن يجنـي عليـك وقـد
تعـدي الصـحاح مبـارك الجـرب
والتجني:مثل التجرام وهو أن يدعي عليك ذنبا لم تفعله.وجنيت الثمرة أجنيها جنى واجتنيتها بمعنى، ابن سيده: جنى الثمرة ونحوها وتجناها كل ذلك تناولها من شجرتها، قال الشاعر:
إذا دعيـت بما في البيت قالت
تجـن مـن الجـذال ومـا جنيـت
قال أبو حنيفة: هذا شاعر نزل بقوم فقروه صمغا ولم يأتوه به، ولكن دلوه على موضعه وقالوا اذهب فاجنه، فقال هذا البيت يذم به أم مثواه، واستعاره أبو ذؤيب للشرف فقال:
وكلاهمـا قـد عـاش عيشـة ماجد
وجنـى العلاء لو أن شيئا ينفع
ويروى: وجنى العلى لو أن. وجناها له وجناه إياه. أبو عبيد: جنيت فلانا جنى أي جنيت له فقال:
ولقـد جنيتـك أكمـوا وعساقلا
ولقـد نهيتـك عـن بنات الأوبر
وفي الحديث: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، دخل بيت المال فقال يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي وغري غيري:
هــذا جنــاي وخيــاره فيــه
إذ كــل جـان يـده إلـى فيـه
قال أبو عبيد: يضرب هذا مثلا للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده. قال أبو عبيد: وذكر ابن الكلبي أن المثل لعمرو بن عدي اللخمي ابن أخبت جذيمة، وهو أول من قاله، وأن جذيمة نزل منزلا وأمر الناس أن يجتنوا له الكمأة فكان بعضهم يستأثر بخير ما يجد ويأكل طيبها، وعمرو يأتيه بخير ما يجد ولا يأكل منها شيئا، فلما أتى بها خاله جذيمة قال:
هــذا جنــاي وخيــاره فيــه
إذ كــل جـان يـده إلـى فيـه
وأراد علي، رضوان الله عليه، بقول ذلك أنه لم يتلطخ بشيء من فيء المسلمين بل وضعه مواضعه. والجنى: ما يجنى من الشجر، ويروى:
هــذا جنــاي وهجــانه فيــه
أي خياره. ويقال: أتانا بجناة طيبة لكل ما يجتنى، ويجمع الجنى على أجن مثل عصا وأعص. وفي الحديث: أهدي له أجن زغب، يريد القثاء الغض، هكذا جاء في بعض الروايات، والمشهور أجر، بالراء، وهو مذكور في موضعه. ابن سيده: والجنى كل ما جنى حتى القطن والكمأة، واحدته جناة، وقيل: الجناة كالجنى، قال: فهو على هذا من باب حق وحقة، وقد يجمع الجنى على أجناء، قالت امرأة من العرب:
لأجنــاء العضــاه أقـل عـارا
مـن الجوفـان يلفحـه السـعير
وقال حسان بن ثابت:
كــأن جنيــة مــن بيــت رأس
يكــون مزاجهــا عســل ومـاء
علــى أنيابهــا أو طعـم غـض
مــن التفـاح عصـرها الجنـاء
قال: وقد يجمع على أجن مثل جبل وأجبل. والجنى: الكلأ. والجنى: الكمأة. وأجني الأرض: كثر جناها، وهو الكلأ والكمأة ونحو ذلك. وأجنى الثمر أي أدرك ثمره. وأجنت الشجرة إذا صار لها جنى يجنى فيؤكل، قال الشاعر:
أجنـى لـه بـاللوى شري وتنوم
وقيل في قوله أجنى: صار له التنوم والآء جنى يأكله، قال: وهو أصح. والجني: الثمر المجتنى ما دام طريا. وفي التنزيل العزيز: تساقط عليك رطبا جنيا. والجنى: الرطب والعسل، وأنشد الفراء:
هـزي إليك الجذع يجنيك الجنى
ويقال للعسل إذا اشتير جنى، وكل ثمر يجتنى فهو جنى، مقصور. والاجتناء: أخذك إياه، وهو جنى ما دام رطبا. ويقال لكل شيء أخذ من شجره: قد جني واجتني، قال الراجز يذكر الكمأة:
جنيتــه مــن مجتنــى عــويص
وقال الآخر:
إنـك لا تجنـي من الشوك العنب
ويقال للتمر إذا صرم: جني: وتمر جني على فعيل حين جني، وفي ترجمة جنى:
حــب الجنــى مـن شـرع نـزول
قال: الجنى العنب،وشرع نزول: يريد به ما شرع من الكرم في الماء. ابن سيده: واجتنينا ماء مطر، حكاه ابن الأعرابي، قال: وهو من جيد كلام العرب، ولم يفسره، وعندي أنه أراد: وردناه فشربناه أو سقيناه ركابنا، قال: ووجه استجادة ابن الأعرابي له أنه من فصيح كلام العرب. والجنى: الودع كأنه جني من البحر. والجنى: الذهب وقد جناه قال في صفة ذهب:
صــبيحة ديمــة يجنيـه جـاني
أي يجمعه من معدنه. ابن الأعرابي: الجاني اللقاح، قال أبو منصور: يعني الذي يلقح النخيل. والجاني: الكاسب. ورجل أجنى كأجنأ بين الجنى، والأنثى جنوى، والهمز أعرف. وفي حديث أبي بكر، رضي الله عنه: أنه رأى أبا ذر، رضي الله عنه، فدعاه فجنى عليه فساره، جنى عليه: أكب عليه، وقيل: هو مهموز، والأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ إذا مال عليه وعطف ثم خفف، وهو لغة في أجنأ، وقد تقدم، قال ابن الأثير: ولو رويت بالحاء المهملة بمعنى أكب عليه لكان أشبه.